[img]
[/img]رسالة إلى ابنتي الحبيبة بمناسبة بلوغها
ابنتي الحبيبة ..
كنت أود محادثتك والجلوس معك والنظر إلى وجهك الحبيب، ولكني للأسف لا أجيد فن الحديث، ولم أشأ أن تفوتني هذه المناسبة دون أن أقدم لك نصائح أظن أنها ستنفعك كثيرا. لقد بحثت كثيرا عن كتاب رحيم في السوق ينوب عني فلم أجده، فقلت لنفسي لابد لك من هذه الخطوة وإلا ستقصرين في واجبك كأم وترتكبين في حق ابنتك خطأ فادحا يصعب تداركه مستقبلا. ابنتي الحبيبة، عندما كنت في سنك، ورأيت دم الحيض لأول مرة، فزعت وخفت كثيرا ولم أجرؤ على محادثة أمي في الموضوع، وظللت على ذلك الحال سنة دون أن تعلم أمي! وكنت أصوم وأنا حائض، وأصلي وراء أبي وأنا حائض، ولا أعرف كيف أغتسل ولا... ولا... ولا...
ابنتي الحبيبة..
وأنا أحكي لك هذا اليوم، لا ألوم في ذلك أمي الحنون، لأني أعلم جيدا أنها قدمت لي كل ما في وسعها وأكثر. وكذلك الأمهات تفعلن. ولا أنسى لها أبدا ما حييت حرصها الشديد على تعليمنا، وتحفيزها لنا، وسهرها من أجل ذلك وتعبها، وبذلها في سبيله كل ما تملك من وقت وجهد، مع أنها لم تكن متعلمة. لقد قدمت لي أقصى ما لديها من عطف وحب وحنان، والله وحده القادر على تكريمها وجزائها الجزاء الأوفى. أما أنا فعاجزة كل العجز على أن أوفيها ولو جزءا بسيطا من فضلها علي، فعطاء الوالدين لا يكافأ، ولهذا أوصانا الله تعالى بالدعاء لهما بخير الدنيا والآخرة، وبالجزاء العظيم منه سبحانه.
"واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" آمين. الإسراء الآية24.
ابنتي الحبيبة..
إن بلوغك سن الرشد معناه أن الله تعالى منحك شرف المسؤولية عن تصرفاتك، وأفعالك واختياراتك. ذلك أنه عندما كنت صبية صغيرة كان القلم مرفوعا عنك، أما الآن فالله جل وعلا يسجل على دفتر جميل كل ما تقومين به من عمل، صغيرا كان أم كبيرا. يقوم بذلك ملكان حبيبان، أحدهما عن يمينك يسجل الحسنات، والآخر عن يسارك يسجل السيئات، ولكن بعد انتظارك ثلاث ساعات عسى أن تتوبي إلى الله وتستغفريه، فيبدل سيئاتك حسنات. فانظري حبيبتي عظم رحمته سبحانه، بنا وبك! حفظك الله من السيئات.
ابنتي الحبيبة..
إنني ألاحظ مسرورة حفاظك على كتبك ودفاترك، وحسن اعتنائك بها، وحرصك على تجميلها بالورود والألوان الزاهية، فاحرصي كذلك حبيبتي، بل أكثر من ذلك، على تجميل كتابك الأخروي بأنفع الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، لتفرحي به غدا يوم لقائه، ويفرح بك رسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم، ونفرح أنا وأبوك، وجميع المؤمنين، فرحا كبيرا برضى الله ورسوله عليك وعلينا.
ولعلك تسألين: ما الذي يفرح الله عز و جل ورسوله صلى الله عليه و سلم؟
كل شيء جميل تقومين به، أو حتى تنوين القيام به، يسجل لك حسنات.
ابنتي الحبيبة..
أعلم أنك جميلة وأنيقة، وتحرصين على نظافة جسمك وثيابك، وهذا شيء أفتخر به، ولكني أحب أن تكوني أجمل وأنظف، لذلك أوصيك بالحرص الشديد على النظافة، لأنها راحة وفرحة.
إنها جمال، إنها إيمان، وهي تاج من الماس على رأس الفتاة المؤمنة، وأنت تحفظين جيدا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم "النظافة من الإيمان". فاحرصي حبيبتي على الماء والصابون في غسل أطرافك وفرجك، خاصة عند نزول دم الحيض، واحرصي على تغيير ملابسك الداخلية يوميا، وتنظيفها جيدا، وغيري الفوط الصحية المستعملة كلما اتسخت.
احرصي على إتقان وضوئك للصلاة، وعلى تنظيف أسنانك، فابتسامتك جميلة، والمحافظة على أسنانك تجعلها أجمل.
ابنتي وقرة عيني..
إن أعظم ما يفرح الله عز وجل ورسوله الكريم كثيرا، ويسعدني وأباك والمؤمنين، بعد الطهارة والنظافة، حفاظك على صلواتك، إذ الصلاة عماد الدين، وقرة للعين، وراحة للبال والبدن، وعون على كل المصاعب، و فرج لكل الهموم والأحزان والآلام، إنها صلة دائمة بالعزيز الديان.
حبيبتي..
أوصيك بالعناية بكتاب الله. احرصي يا قرة عيني على تلاوته وحفظه، فهو كما وصفه الحبيب الأمين صلى الله عليه وسلم في حديث رواه سيدنا عبد الله بن مسعود: "إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم. إن هذا القرآن حبل الله المتين والنور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الترداد. اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات. أما إني لا أقول لكم ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" أخرجه الحاكم.
وختاما، أوصيك حبيبتي بأن تحافظي على صحبتك الصالحة، فأنت قوية بأخواتك، ضعيفة بنفسك، ولا غنى لك، في هذا العالم الموار، عن رفقة صالحة تذكرك بالله، وتعينك على بناء آخرتك، إنها وصية سيدنا لقمان الحكيم لإبنه "واتبع سبيل من أناب إلي، ثم إلي مرجعكم فأنبؤكم بما كنتم تعملون" لقمان الآية15.
أسأل الله ابنتي أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلبك، ونور صدرك، وجلاء أحزانك وذهاب همومك، وزينة لك في الدنيا، وتاجا لك في الآخرة.
جعلك الله قرة عين لي ولأبيك، وذخرا صالحا لأمتك. آمين. و السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.