[img]
[/img](ليت كل أب يحاور ابنه، فما شقي مجتمع من المجتمعات إلا لأن البيت لم يحاور الصغير ولم يدربه على الحوار).
الشيخ عبدالعزيز التويجري.
إن هذه الفلسفة الواقعية، والرؤى التصورية لواقع حوار الأجيال، والتي صاغتها عقلية متفتحة استشرفت أفق المستقبل البعيد منذ ما يربو على ربع قرن من الزمان لنلمس أثرها الإيجابي في واقع حياتنا الاجتماعية والتي شاء الله لها أن تتجسد حقيقة لا خيالاً بدعم من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله- وبتكاتف من جميع أبناء المجتمع إيماناً منهم بأهمية تلك القيم الأصيلة والمغيبة عن مجتمعنا والتي هي نتاج تجربة ثرة، وخلاصة حكمة صائبة.
وتأتي انطلاقة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عبر فضاء الأسرة ليجسد لنا مصداقية تلك الرؤى عبر برنامج الحوار الأسري والذي يهدف إلى إكساب أفراد الأسرة مهارات الحوار وقيمه ومبادئه، مما ينعكس إيجاباً على اتجاهاتهم وسلوكهم في التعامل مع الآخرين، وهذه المهارة إنما يكون اكتسابها في سنوات مرحلة الطفولة وهي السنوات الأولى في حياة الإنسان والتي تكون فيها النفس البشرية مرنة قابلة لكل شيء منفعلة بكل أثر، إذ إنها في تلك المرحلة الدقيقة كالصفحة البيضاء الخالية من كل نقش وصورة لكنها على الفطرة السليمة، قال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).. لذلك كانت التوصية باغتنام هذه الفرصة المواتية لتعليم الصغار مهارات الحوار ليصبح أسلوب حياة ونمط تعايش.
والأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة المسؤولة عن إعداد الأبناء للدخول في معترك الحياة الاجتماعية وتهيئتهم للتفاعل مع معطياتها، وهي نقطة الانطلاق التي تعزز العنصر الإنساني، ونقطة البدء المؤثرة في كل مراحل الحياة إيجاباً وسلباً.
ولهذا أولى الإسلام عناية خاصة بالأسرة المنسجمة مع الدور والمكلفة بأدائه فوضع القواعد الأساسية لتنظيمها وضبط شؤونها، وتوزيع الاختصاصات وتحديد الواجبات والمسؤول عن أدائها، ودعا الإسلام إلى المحافظة على كيان الأسرة، وإبعاد أعضائها عن عوامل الهدم ومعوقات البناء الأسري السليم وكل ما يؤدي إلى خلق البلبلة والاضطراب في العلاقات الأسرية والذي قد يؤدي إلى ضياع الأبناء، حيث إن الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأبناء مرجعها تفكك الأسرة وتخلخلها، وتدهور العلاقات والروابط بين أفرادها، فالأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية الإيجابية التي توفرها الأسرة للأبناء تمنحهم القدرة على التكيف مع أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التربية الحوارية الهادفة.
فالحوار الأسري يعد قيمة أصيلة ووسيلة فاعلة في التربية، تربية الأبناء تربية إسلامية مؤثرة تعمق ثقافة المسلم في المجالات الدينية وفي مجال الثقافة المعاصرة التي لا تتعارض مع ثوابتنا الدينية والأخلاقية، وقد امتازت التربية الإسلامية بكثرة طرقها وتنوع وسائل التنشئة فيها.
ويعد أسلوب التربية بالحوار من أهم أساليب التربية السليمة الحديثة التي تبصّر الأبناء بمسؤوليتهم وتشعرهم بمكانتهم ودورهم في الأسرة والمجتمع، وتساعدهم على الفهم الصحيح للإسلام بعيداً عن التعصب والغلو، ويمكننا القول إن الأساليب الحوارية لها دور فعال وأساسي في تنمية فكر الإنسان وتنظيم سلوكه وعواطفه، وبناء شخصيته المتزنة ليتحقق صلاحه ونجاحه في جميع مجالات حياته.
والحوار الهادف والهادئ والمباشر يشعر الأبناء بقيمتهم كأشخاص، وبأهمية الدور العظيم المنوط بهم كأفراد فاعلين في مجتمعهم، ويفتح أمامهم آفاقاً رحبة للتعاطي مع الواقع من حولهم ومن ثم التعبير بواقعية عن احتياجاتهم ورغباتهم، والحديث عن مشكلاتهم بأسلوب علمي مقنع، ومن خلال التربية الحوارية الناجحة المبنية على الصراحة والوضوح وتقدير الاحتياجات النفسية للأبناء، ونكون بذلك قد جنبناهم مغبة كثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية التي قد تنشأ في ظل غياب الحوار، وبذلك تكون الأسرة قد شكلت خط الدفاع الأول لدى الأبناء للتصدي لأي فكر مضلل أو سلوك منحرف.
وتبرز أهمية الحوار في التربية في هذا العصر بما يفرضه من متغيرات ومغريات، والتي قد أحدقت بالنشء من كل جهة في ظل ثورة الاتصالات الحديثة، والتطور التكنولوجي المتزايد، وفي خضم انفتاح معرفي متنام على حضارات ومعارف متنوعة وتعدد غير يسير لوسائط التربية داخل الأسرة مما يقتضي معه العمل على زيادة الوعي لدى الأبناء عبر بوابة الحوار الأسري هذا المنهج التربوي الذي عن طريقه تنظم مسيرة الأسرة وتوزع الأدوار والواجبات وتحدد الاختصاصات حفاظاً على تماسكها، دعماً لأواصر التعاون والتلاحم بين الأسرة والمجتمع.
فلنفتح باب الحوار مع الأبناء على مصراعيه سعياً لخلق الثقة في أنفسهم وفي قدراتهم بالقدر الذي يمكنهم من تبني أفكارهم ووجهات نظرهم والدفاع عنها ودحض كل فكر منحرف أو دعوة مضللة، ودعماً لمشاركتهم الاجتماعية البناءة التي تجعل منهم أعضاء فاعلين ومؤثرين قادرين على التحاور وتقبل الاختلاف.
مساعد الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني
__________________
كم أتوقف كثيراً عند آلام الآخرين واصمت أكثر..
كم أحزن لحزنهم وأقف صامتاً لا أعرف ماذا أفعل..
ولا أدري ما سأكتب فيها وماذا سأعبر لكن اسأل الله أن لا نكون سبباً في آلام الآخرين بل شفاء" للمحرومين.. وبعضاً من حلول لمن عاش الألم ولمن يرى الألم في الآخرين ولديه هم وهمة لمساعدتهم